العراق يحصل على قرض بقيمة 262.16 مليون يورو لإطلاق مشروع الري المحوري: خطوة استراتيجية للتنمية المستدامة
في خطوة تاريخية نحو تحديث قطاعه
الزراعي؛ حصل العراق على قرض بقيمة 262.16 مليون يورو (291 مليون دولار) من بنك
مجموعة إرستي النمساوي. وسيمول هذا الاستثمار الكبير تطوير وتنفيذ أنظمة الري
المحوري في جميع أنحاء البلاد، مما يمثل خطوة حاسمة في جهود العراق لتنشيط الزراعة
ومعالجة القضايا الملحة المتعلقة بندرة المياه والأمن الغذائي.
استجابة لتحديات الزراعة
شهد العراق، المعروف تاريخيًا ببراعته
الزراعية، تراجعًا في قطاعه الزراعي على مدى العقود القليلة الماضية بسبب مزيج من
الصراعات وتغير المناخ والنقص الحاد في المياه.
إن الصناعة الزراعية التي كانت مزدهرة
في البلاد تكافح الآن مع انخفاض الإنتاجية والممارسات التي عفا عليها الزمن
والتدهور البيئي.
تم تصميم مشروع الري المحوري، وهو
عنصر رئيسي في استراتيجية العراق الوطنية لتحسين البنية التحتية والخدمات العامة،
لمعالجة هذه القضايا من خلال تحديث أساليب الري، وتحسين كفاءة استخدام المياه،
وتحفيز النمو الاقتصادي.
وتعد اتفاقية القرض استجابة مباشرة
للتحديات الزراعية المستمرة في العراق وتتماشى مع النهج الأوسع للحكومة لتأمين
التمويل الخارجي للمشاريع الاستثمارية الأساسية.
تؤكد هذه المبادرات، المحددة في
ميزانية العراق 2023-2025 وقرار مجلس الوزراء رقم 24630 لعام 2024، على الحاجة إلى
مشاريع توفر فوائد اقتصادية ملموسة، مثل خلق فرص العمل وتطوير البنية التحتية.
الري المحوري: قفزة تكنولوجية إلى الأمام
نظام الري المحوري هو تقنية متطورة
تمثل تحسنا كبيرا مقارنة بطرق الري التقليدية. وهو ينطوي على رشاشات دوارة توزع
المياه بالتساوي عبر الحقول الزراعية، مما يضمن حصول المحاصيل على الكمية المناسبة
من المياه بأقل قدر من النفايات.
يوفر هذا النهج المبتكر العديد من
المزايا الرئيسية:
- كفاءة استخدام المياه: من خلال توصيل المياه مباشرة إلى المناطق الجذرية للمحاصيل، يقلل الري المحوري من فقدان المياه بسبب التبخر والجريان السطحي، وهو أمر بالغ الأهمية بشكل خاص في مناطق مثل العراق حيث أصبحت الموارد المائية شحيحة بشكل متزايد.
- التطبيق الدقيق: تسمح الأنظمة المحورية بالتحكم الدقيق في توزيع المياه، مما يضمن حصول المحاصيل على الكمية المثلى من المياه للنمو. هذا يمنع الإفراط في الري، والذي يمكن أن يؤدي إلى تملح التربة وفقدان المغذيات، ونقص الري، مما قد يعوق نمو المحاصيل.
- التوزيع الموحد للمياه: يعزز التوزيع المتساوي للمياه عبر الحقل النمو المتسق للمحاصيل، مما يقلل من احتمالية حدوث تغيرات في الغلة ويضمن إنتاجية إجمالية أعلى.
- كفاءة الطاقة: بالمقارنة مع طرق الري الأخرى، تتطلب الأنظمة المحورية عموما طاقة
أقل للعمل، مما يقلل من تكاليف التشغيل والتأثير البيئي للزراعة.
هذه المزايا التكنولوجية تجعل الري
المحوري أداة حيوية في جهود العراق لمكافحة آثار تغير المناخ ونقص المياه على
قطاعه الزراعي.
الأثر الاقتصادي لمشروع الري المحوري
الفوائد الاقتصادية لمشروع الري
المحوري في العراق كبيرة. ومن خلال تحديث البنية التحتية للري، يمكن للعراق أن
يعزز إنتاجيته الزراعية بشكل كبير، والتي بدورها يمكن أن تحفز النمو الاقتصادي على
نطاق أوسع. تشمل بعض الفوائد الاقتصادية الرئيسية ما يلي:
- زيادة الإنتاج الزراعي: تسمح أنظمة الري المحوري للمزارعين بزراعة المزيد من المحاصيل باستخدام كميات أقل من المياه، وزيادة الغلة وتحسين الأمن الغذائي. هذه الزيادة في الإنتاجية أمر بالغ الأهمية للحد من اعتماد العراق على الواردات الغذائية، التي أصبحت عبئا ماليا في الوقت الذي تسعى فيه البلاد إلى تحقيق الاستقرار في اقتصادها.
- خلق فرص العمل: سيؤدي تنفيذ مشروع الري المحوري إلى خلق فرص عمل جديدة، سواء بشكل مباشر في الزراعة أو بشكل غير مباشر في الصناعات ذات الصلة مثل تجهيز الأغذية والنقل وتجارة التجزئة. وسيحفز التوسع في القطاع الزراعي نمو الوظائف في المناطق الريفية، حيث غالبا ما تكون فرص العمل محدودة.
- فرص التصدير: من خلال زيادة الإنتاج الزراعي، يتمتع العراق بالقدرة على تصدير فائض المحاصيل، وتوليد النقد الأجنبي وتنويع اقتصاده بعيدا عن الاعتماد على النفط. كما يمكن أن تساهم زيادة الصادرات في استقرار ميزان المدفوعات العراقي وتعزيز علاقاته التجارية مع الدول المجاورة.
- التنمية الريفية: يمكن أن يساعد إدخال تكنولوجيا الري الحديثة في تنشيط المجتمعات الريفية، التي تخلف الكثير منها عن الركب بسبب عقود من نقص الاستثمار. ومن خلال تحسين وصول المزارعين إلى الأدوات الزراعية المتقدمة، يمكن للمشروع تعزيز سبل العيش، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، والحد من الفقر في المناطق الريفية.
الفوائد البيئية والاستدامة
بالإضافة إلى مزاياه الاقتصادية،
يتماشى مشروع الري المحوري مع أهداف العراق للاستدامة البيئية والقدرة على التكيف
مع المناخ. ومع تفاقم ندرة المياه وتهديد النظم الإيكولوجية لتغير المناخ، فإن
الإدارة الفعالة للمياه ضرورية لنجاح العراق الزراعي على المدى الطويل.
- الحفاظ على المياه: تم تصميم أنظمة الري المحوري للحفاظ على المياه من خلال استخدامها بشكل أكثر كفاءة. وفي بلد تتعرض فيه الموارد المائية بالفعل لضغوط من استخدام المياه في المنبع والتحديات المتعلقة بالمناخ، ستساعد هذه التكنولوجيا على ضمان قدرة العراق على الاستمرار في الحفاظ على إنتاجه الزراعي في مواجهة تضاؤل إمدادات المياه.
- الحفاظ على صحة التربة: تمنع الإدارة السليمة للمياه من خلال الري المحوري تدهور التربة، وخاصة الملوحة، وهي مشكلة شائعة في المناطق المروية بشكل مفرط. من خلال الحفاظ على تربة صحية، يمكن للعراق ضمان الإنتاجية الزراعية على المدى الطويل وتجنب الآثار المدمرة لتآكل التربة ونضوب المغذيات.
- الحفاظ على التنوع البيولوجي: ستساعد الممارسات الزراعية المستدامة التي يروج لها مشروع الري المحوري في الحفاظ على التنوع البيولوجي في العراق. من خلال تقليل الحاجة إلى أساليب الزراعة كثيفة الاستخدام للمياه، سيحمي المشروع النظم الإيكولوجية الطبيعية، بما في ذلك الأراضي الرطبة والأنهار، والتي تعد موائل حرجة لمختلف الأنواع.
- التخفيف من آثار تغير المناخ: سيساعد مشروع الري المحوري العراق على التكيف مع آثار تغير المناخ والتخفيف من حدتها. يقلل الاستخدام الفعال للمياه من الضغط على النظم البيئية، بينما تساهم أنظمة الري الموفرة للطاقة في خفض البصمة الكربونية الإجمالية للبلاد.
التحديات والفرص
في حين أن مشروع الري المحوري يحمل
وعدا هائلًا للعراق، فإنه يطرح أيضًا العديد من التحديات التي يجب معالجتها لضمان
نجاحه على المدى الطويل.
- تطوير البنية التحتية: يتطلب تركيب أنظمة الري المحوري استثمارات كبيرة في البنية التحتية، بما في ذلك خطوط الأنابيب والمضخات وإمدادات الكهرباء الموثوقة. وسيحتاج العراق إلى الاستثمار في تطوير هذه البنية التحتية، لا سيما في المناطق الريفية والمناطق المحرومة، لتحقيق فوائد المشروع بشكل كامل.
- الخبرة الفنية: يتطلب تشغيل وصيانة أنظمة الري المحوري معرفة متخصصة ومهارات فنية. وللتغلب على هذا التحدي، سيحتاج العراق إلى الاستثمار في برامج تدريب المزارعين والعمال الزراعيين، وضمان حصولهم على الخبرة اللازمة لتشغيل الأنظمة الجديدة بفعالية.
- تأمين التمويل: في حين أن القرض البالغ 262.16 مليون يورو من بنك Erste Group يوفر أساسًا ماليًا قويًا للمشروع، ستكون هناك حاجة إلى تمويل إضافي لتغطية الصيانة طويلة الأجل وبناء القدرات والتوسع المستقبلي. ويمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستثمار الدولي أن يساعدًا في سد هذه الفجوة التمويلية.
- التعاون الدولي: تظهر الشراكة مع شركة باور النمساوية، التي ستقدم الدعم الفني والاستشاري، أهمية التعاون الدولي في دفع نجاح مشروع الري المحوري في العراق. ويمكن للمشاريع المشتركة المستقبلية مع شركات دولية أخرى أن تزيد من تعزيز نطاق المشروع وتأثيره.
يمثل مشروع الري المحوري استثمارًا
استراتيجيًا في مستقبل العراق الزراعي، حيث يقدم فوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية
كبيرة. من خلال تحديث البنية التحتية للري واعتماد ممارسات زراعية أكثر كفاءة،
يهيئ العراق نفسه لمواجهة التحديات الأكثر إلحاحا: ندرة المياه، وتغير المناخ،
والأمن الغذائي. ويعد المشروع، الذي أصبح ممكنًا بفضل قرض بقيمة 262.16 مليون يورو
من بنك مجموعة إرستي النمساوي، خطوة حاسمة نحو تنشيط القطاع الزراعي في العراق
وخلق مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا.
ومع تقدم المشروع، سيكون من الضروري
التصدي للتحديات المتعلقة بالبنية التحتية والخبرة الفنية والتمويل. من خلال
التخطيط الدقيق والتعاون الدولي المستدام، يمكن للعراق إطلاق العنان للإمكانات
الكاملة للري المحوري، مما يضمن النجاح على المدى الطويل لقطاعه الزراعي وشعبه.